روى ابنُ قيِّم الجوزيّةرحمه الله هذه الأقصوصة العجيبة ، وملخَّصها ما يأتي : جلس تحت ظلِّ شجرة ، فرأى نملة تسيرُ حتى دَنَت من جناح جرادة ، فأرادت أن تحملَهُ فلم تستطع ، فاتجهت إلى مساكن النَّمل ؛ ثم جاءت معها عددٌ كبيرٌ ، فلما دَنَوا من الجناح رفعهَ ابن قيِّم ، فبحثوا عنه فلم يجدوه ، فرجعوا، وبقيت النملةُ ؛ وظلَّت تبحثُ بهمَّة عالية ونشاط ، فأرجعَ الجناح ، فلمّا رأته طربت له وأسرعت إلى رفيقاتها ، ثمَّ خرجَ معها نمل أقلّ من المرَّة الأولى ، حتى دنَوا من الجناح ، فرفعَه قبل وصولهم ، فلم يجدوا شيئاً ، ورجعوا خائبين ، وبقيت النملةُ تبحثُ عنه كالمصروعة . . فأرجعه إلى مكانه ، فلما رأته انطلقت إلى النٌَمل ، فلم يخرج معها إلا سبعُ نملات ، فلمّا دَنَوا من مكان الجناح رفعه ، فلم يجدوا شيئاً ، فكأنّهم غضبوا ، وأحاطوا بها كالمعصم ، وجعلوها في وسطهم ، ثم انقضوا عليها ، فقطَّعوها قطعةً قطعةً ، وفصَلُوا رأسها عن جسدها ، وكسروا أطرافها . ثمّ إنه ألقى إليهم بالجناح ، فلمَّا أبصروه ، ندموا كثيراً ونظروا إلى رفيقتهم المسكينة ، وقد انتابهم حزنٌ كبيرٌ ، ولكن بعد فوات الأوان ... - قال ابنُ قيِّم الجوزيّة : " فَهَالَني ما رأيتُ ، وأحزنني ذلك كثيراً ، فانطلقتُ إلى شيخ الإسلامِ أبي العبَّاس ابنِ تيمية رحمه الله ؛ فأخبرتُهُ الخبرَ فقال : أما أنتَ فغفَرَ اللهُ لك ، ولا تَعُد لمثلها ، وأمّا ما حدَّثتني به ، فسبحان مَن علَّم النَّملَ قُبحَ الكذب ، وعقوبةَ الكذَّاب "
" مفتاح دار السعادة "