في بعض الأحيان …الندرة تجمع، والكثرة تفرّق …
في زمن فائت كانت العائلة تجلس في غرفة واحدة ، تأكل على مائدة واحدة ، تطلق ضحكة واحدة ، كما في البيت تلفون واحد ، تعرف المتصل وماذا يريد ومن يريد، كانت الملامح مكشوفة للجميع ، وصفحات الوجوه مقروءة بفواصلها ونقاطها بفقرات الفرح وهوامش الحزن..
كانت القلوب قريبة ومتراصة مثل القلادة الآن الوضع اختلف،البيت عبارة عن مطار …الجميع يدخلون من نفس البوابة لكن كل يتوجه إلى “راحته” و”رحلته” ، صالة الجلوس شبه فارغة .. كل فرد في غرفة منفصلة ينتظر إقلاع يومه المليء بالعزلة ،طعام الغداء مثل تذاكر “المترو” أوقات متقاربة لكن ليست موحدة كي لا يحدث تصادم بالأطباق ، الشاشة صارت شاشات..ما يضحكك لم يعد يضحك غيرك..
كلٌّ يمسك بهاتفه يفرغ حواسه جميعها فيه.. وبالضرورة لا تعرف المتصل وماذا يريد ومن يريد..الملامح مغلقة،صفحات الوجوه عليها “باسوورد” لا تعرف ما الذي يسكن هذا المنشغل بقبيلة التطبيقات الذكية أشقيٌّ أم سعيد…
الاطمئنان عن الأخ صارت بالتأكد خلال آخر ظهور على “الواتساب” ، وبر الوالدين تقتصر على “الحالة” أو “البيج كوفر” ، التعبير عن الفرح مجرد “لايك”، والقيام بواجب العزاء صار من خلال “شير وكومنت” على الفيسبوك، ولقاء الأسرة اليومي من خلال “جروب”مغلق…
كلما قررت شركة الاتصالات بزيادة “الجيجا بايت” للمشتركين، وضعوا أيديهم على قلوبهم خوفاً من انخفاض “اللقاء البيتي” للمشتركين.. وكلما قوي بث شبكة الواي فاي ..كلما ضعف بث شبكة “العاطفة” وأصبحت العلاقات الحميمة مع السلامة ..
أخشى إذا ما استمر الوضع على ما هو عليه، من انعزالية طوعية للناس .
أغلقوا هواتفكم .. ضعوها في حقائبكم...والتقوا بأرواحكم لا بأجسادكم … فبطارية العمر توشك على النفاد..