الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لانبي بعده،،، وبعد
فلقد أظلناقبل أيام شهر صفر، وهو الشهر الثاني من أشهر السنة الهجرية.
وشهر صفر قد ورد ذكره في السنة النبوية، على لسان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فقد جاء في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر.
قوله: ولا صفر، قيل: المراد به مرض يصيب البطن، وقيل: المراد به شهر صفر.
وقوله: لا عدوى، قيل: إن ( لا ) هنا، نافية، وقيل: إن ( لا ) هنا ناهية.
فإذا كانت نافية فيكون المعنى: نفي وقوع الضرر من هذه الأشياء المذكورة في الحديث.
وإذا كانت ناهية فيكون المعنى: النهي عن اعتقاد حصول الضرر من هذه الأشياء المذكورة.
والذي عليه أكثر أهل العلم، أن ( لا ) هنا نافية، والله أعلم.
وسمي هذا الشهر صفر، قيل: لأن مكة تسفر فيه بعد خلوها من الحجاج، وقيل: لأن بعض قبائل العرب كانت تغير في هذا الشهر على بعض، فيسلبون الناس أموالهم ودوابهم وجميع مالديهم، فيتركونهم صفرا، والله أعلم
ومعنى الحديث، أن النبي صلى الله عليه وسلم ينفي حصول الضرر من هذه الأشياء بذاتها، وأنه لا يحصل ضرر منها إلا بإذن الله وتقديره، وأنه لا صحة لما استقر عند العرب في الجاهلية بأن شهر صفر شهر نحس، تحصل فيه المصائب والبلايا والمحن، فلا يبيعون فيه ولا يشترون، ولا ينكحون ولا يسافرون، كما لا صحة لما استقر في أذهانهم من أن يوم الإربعاء هو يوم نحس في الأسبوع، وأن شهر صفر هو الشهر النحس في السنة.ونفي النبي صلى الله عليه وسلم حصول الضرر من هذه الأشياء هو تأكيد للتوكل على الله، ورد الأوهام ووسوسة الشياطين التي لم تقم على دليل صحيح، وحث للمسلم على استصحاب التفاؤل دائما، وانتظار الجميل من الرب الجليل.
ولقد كانت العرب قبل الإسلام يعلمون أن الأشهر الحرم معظمة لا قتال فيها، فإذا دخل شهر محرم أخروه وقدموا شهر صفر ليقاتلوا فيه لأنه شهر حلال، فإذا انتهى الشهر الذي قدموه وقاتلوا فيه، ودخل شهر محرم بزعمهم، عادوا فأخروا شهر صفر وأعادوا شهر محرم لمكانه ليتخلصوا من شهر محرم بسبب تحريم القتال فيه، فبهذا يكون شهر صفر مر عليهم مرتين، قدموه ثم أخروه، وفي هذا يقول الله تعالى:( إنما النسيء زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا،،، ) الآية.